كثُرَّ الحديث في الآونة الأخيرة عن إمكانية توجيه إسرئيل، أو الولايات المتحدة، أو الإثنتين معاَ ضربة عسكرية لإيران. كما وذهب البعض إلى الإعتقاد بأن ضربة من هذا النوع من شأنها أن تؤدي إلى حرب إقليمية ينجرُّ إليها سوريا وحزب الله في لبنان. وهناك أيضاً من بدأ يشعر بإمكانية وقوع حرب عالمية في المنطقة. وذلك بسب تداعيات الأزمة السورية المتفاقمة ودخول روسيا والصين على خط هذه الأزمة وإصرارهما على إستخدام حق النقض ـ الفيتو- في مجلس الأمن. ذلك ما يمنع صدور قرار تحت الفصل السابع يفرض وقف قتل المدنيين واللجوء إلى حلٍ سياسي ينهي الأزمة . وكان رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف قد حذر من أن أي عمل عسكري متسرع ضد دول ذات سيادة قد يؤدي الى صعود الجماعات المتطرفة كما يمكن ان يشعل حربا نووية إقليمية في إشارة إلى منطقة الشرق الاوسط التي تشهد توترات في أكثر من بلد. 
إلا أن ثورات الربيع العربي والتصدع الكبير الذي أحدثته في جدار التوازن الجيوسياسي الهش الذي كان قائماً قبل سقوط نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك في مصر، وتأرجح نظام الرئيس بشار الأسد الآيل إلى السقوط في سوريا فاجأ كل أطراف الصراع في المنطقة وجعلها تعيد النظر في حساباتها. ووضع قضايا الصراع الأساسية في الشرق الأوسط في حالة أصبح معها الحسم ضرورة لا تقبل التأجيل. ويمكن أن نُجمِّل هذه القضايا كما يلي:
1 ـ إن حل الدولتين الذي قامت على أساسه المفاوضات بين الفلسطنيين والإسرائيليين، والذي أستند إلى مرجعية مؤتمر آوسلو لعام 1992، قد وصل إلى طريقٍ مسدود لم يَعُّدْ معه تقدم التفاوض ممكناً. وذلك لأن حل الدولتين هو بالأساس حلٌ غير عملي ولا يُمكن تطبيقه على أرض الواقع. لأن الحد الأعلى الذي يمكن لأكثر الإسرائيليين تهاوناً التخلي عنه هو أقل بكثير من الحد الأدنى الذي يُمكن للمتسامحين من الفلسطينيين القبول به لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. ومن المعروف أيضاً أن معظم الحكومات الإسرائيلية المُتعاقبة غير مقتنعة بحل الدولتين. وخاصةً الحكومة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو. 
فنتنياهو لم يُخفِ يوماً بأنه لا يؤمن بغير الوطن البديل حلاً للقضية الفلسطينية. وعندما سُـئل إسحاق شامير رئيس وزراء إسرائيل إثناء مؤتمر مدريد للسلام عام 1991عن سبب قبوله بالتفاوض مع الفلسطينيين، نُقِّلَ عنه قوله: نحن وافقناعلى التفاوض ولم نوافق على ماهية التفاوض ولا أمده، وأما الفلسطينيون كانوا قد وافقــوا على التفاوض بقيــــادة الرئيــــس الراحل ياسرعرفات حينها تحت الضغط الدولي، وتحديداً من قِبَل الولايات المتحدة. وكانوا يأملون بتغيُّر الظرف الدولي مع الزمن وتغيُّر ظروف التفاوض معه لمصلحتهم. مُستندين بذلك إلى مبدأ الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبه - خذ ثم طالب- .
أما الإسرائيليون فكانوا وعلى مدار العشرين عاماً الماضية يستخدمون التفاوض كورقة ضفط على المجتمع الدولي لإبتزازه وإطالة عمر التفاوض وفرض وقائع جديدة على الأرض تقلل من مطالب الفلسطينيين المتفاوض عليها، وخاصةً عندما يتعلق الأمر ببناء المستوطنات.
2 ـ إن إمكانية التعايش بين إسرائيل وإيران بدأت تقترب من نهايتها وذلك مع إقتراب إيران من إنتاج القنبلة الننوية. حيث أن إسرائيل لاتستطيع القبول بإيران نووية وذلك من مبدأ حرصها على أمنها وتفوقها النوعي في المنطقة. وبالمقابل إيران لا تسطيع إلا أن تكون نووية ولنفس المبدأ. ففي جوارها خمس دول نووية. باكستان والهند. روسيا والصين. وعلى حدودها في إفغانستان تتواجد الولايات المتحده بقواعدها وقواتها. وكذلك على الجهة المقابلة في العراق ودول الخليج. وهي لديها الكثير ما يهدد أمنها.
3 ـ إن وصول أمريكا في حربها على العراق وإحتلالها له إلى طريقٍ مسدود بسبب السياسات الخاطئة للرئيس السابق جورج بوش وطاقم إدارته من المحافظين الجدد أطلق يد إيران، ليس في العراق وحسب، وإنما في سوريا ولبنان أيضاً. وجعلها تتمادى على دول الخليج وتتطاول على تركيا. وكذلك تتدخَّلُ في شؤون إفغانستان.ذلك ما يضع الولايات المتحدة في موقعٍ حرج يؤخر، إن لم يعطِّل مشروعها في المنطقة. ويضعها وجهاً لوجه مع روسيا والصين بحكم مصالحهما مع إيران بشكلٍ خاص، وفي المنطقة بشكلٍ عام.
4 ـ إن العملية السياسية التي كان قد أنتجها الإحتلال الأمريكي في العراق والتي تعتمد على أساس المُحاصصة الطائفية تمخضت عن كتلٍ سياسية هشة تحرص على بناء كياناتها الطائفية، والتي يرتبط معظمها بإيران، ودونما إكتراثٍ لبناء الوطن. ذلك مما حوَّلَ العراق إلى دولة فاشلة بالرغم من كل إمكانياته وثرواته وقدراته على لعِّبِ دور فاعل ومؤثر في محيطه العربي والإقليمي. بل ويمكنه، في ظلِّ ظروفٍ طبيعية، أن يوفر التوازن المفقود في منطقة الخليج الغنية بالنفط والذي يمثل إضافةً إلى إسرائيل أساس الصراع في المنطقة وعليها. 
5 ـ إن مبدأ العيش المشترك بين الأطراف اللبنانية والمستند إلى قرار مؤتمر الطائف لعام 1989 والذي هو الآخر يعتمد على المحاصصة الطائفية قد وصل أيضاً إلى طريقٍ مسدود. لم يعد معه العيش المشترك بين الشركاء في الوطن ممكناً. حيث باتوا يختلفون حتى على مبدأ تعريف الوطن. ومن يحق له حمايته، وكيف يمكن له أن يُحمى. وأصبحت المرجعية الطائفية هي الأساس. والوطن هو التابع الذي يتوجب عليه أن يتبع هذا المَرجِّعْ أو ذاك.
6 ـ لم يعد ممكناً للدور التركي في المنطقة أن يبقى محدوداً ومقتصراً على دور الجار الذي لايرغب أن يتدخل في شؤون جيرانه، وعلى طريقة المثل القائل ،، ياجاري إنت بدارك وآنا بداري، ففي العشر سنوات الماضية التي كانت فيها إيران تزيد من نفوذها في المنطقة، كانت تركيا توجه أنظارها إلى الغرب طمعاً بموقع في الإتحاد الآوربي. والإبقاء على الشرق ركيزة يمكن أن تعود إليها وقت الحاجة. ووقت الحاجة بالنسبه لتركيا هوالآن. حيث وبعد أكثر من عقد من الزمن على حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة رئيس الوزراء رجب طيــــب آردوغان توصلت تركيا إلى القناعة بعكس المعادلة. 
أي تثبيت أقدامها في الشرق والعودة إلى الغرب بفاعلية وقوة أكبر. وخاصةً بعد نجاح تجربة الإسلام المعتدل فيها والتي كانت قد أقنعت الغرب بنجاعتها. بل وأصبحت الولايات المتحده تروِّجُ لها كنموذج للحكم في الدول العربية والإسلامية. وبدأ هذا الإعتقاد يترسخ بعد وصول الإسلام المعتدل إلى السلطة في كلٍ من تونس ومصر بعد أن أسقطت ثورات الربيع العربي الحكم القديم فيها. كما ويجري الإعتقاد بأن حكم الإسلام المعتدل سيخفف من التطرُّف الذي كانت قد زادت حدّته بعد أحداث 11 أيلول في الولايات المتحدة عام 2001، ويعمل على التقليل من هجرة المسلمين إلى الغرب. بل ويمكن للكثير من المهاجرين المسلمين المستوطنين في دول الغرب أن يعودوا إلى البلدان التي كانوا قد هاجروا منها بعد تغير الظروف فيها. ذلك مما يساعد في حلحلة مشاكل الهجرة المتفاقمة في العديد من الدول الأوربية.
7 ـ إن الخوف من سلطة الأنظمة القمعيّة في المنطقة قد سقط مع بدء ثورات الربيع العربي. بحيث أصبح التعايش بين الشعوب التوّاقة للحرية والأنظمة الدكتاتورية التي تحكم في بُلدانها أمراً مستحيلاً يقتضي هزيمة أحد الطرفين. وتجارب التاريخ علمتنا بأن إرادة الشعوب هي المنتصرة. لكن حالة عدم الإستقرار المؤقتة التي ترافق الثورات في البداية تضيف عامل توترٍ أخر إلى منطقةٍ هي بالأصل غير مستقره وفيها الكثير من عوامل التوتر.
8 ـ وأخيراً إن الوضع المُتفجِّر في سوريا قد وصل إلى حافة الهاوية ولم يعد معه الإنتظار ممكناً. ففي حال فشل مبادرة السيد كوفي عنان مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية في إيجاد حلٍ سريع وناجز للأزمة سيدفع بسورية والمنطقة برُمتها إلى آتون صراعات مسلحة وأعمالٍ عسكرية محلية و إقليمية. وذلك بحُكمِ موقع سوريا الجييوسياسي وتأثيرها وتأثرها بكل قضايا الصراع في المنطقة والتي تم ذكرها في النقاط السبعة السابقة.
ويبقى السؤال هناهل ستترك الولايات المتحدة اللاعب الأكبر في المنطقة الأمور تسير على غاربها دونما تدخُّل يذكر؟ وهل يغامر الرئيس الأمريكي باراك أُوباما بعملٍ عسكري في المنطقه قُبيّْلَ إنتخابات الرئاسة المقررة في 6 تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام؟ وهل يمكن لعملٍ عسكريٍّ من هذا النـــــوع أن يساعده للفوز بدورة رئاسية ثانية في الوقت الذي بدأت شعبيته تتراجع أمام منافسه المُحتمل عن الحزب الجمهوري ميت رومني. وذلك بسبب الوضع الإقتصادي المُترهل ونسبة البطالة التي مازالت تراوح حول التسعة بالمئة؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في مقالاتٍ لاحقة.

د. رياض العيسمي : اكاديمي سوري مقيم في امريكا

0 التعليقات

إرسال تعليق