قد تظهر الاجابة - بشيء من التسطيح - سهلة وبسيطة عن سؤال كهذا سواء بالاستدلال بقوانين الكون ونواميسه التي لا تؤمن بالجمود والسكون، أو بالرجوع لمعاني التفاؤل والثقة بالله التي تستدعي رفع الظلم عن المظلومين وتمكين الصالحين، ولكن ما يهم في كل هذا وذاك هو اليأس الحقيقي الذي بدأ يصيب في نظري كل الأحزاب المحسوبة على المعارضة في إمكانية الانعتاق من هذا النظام الذي عاث فسادا في الحرث والنسل ولا تكاد بقعة على هذه الأرض الطاهرة إلا ودنسها سواء برجاله أو من خلال زبانيته وعملائه.
إن المراقب للمشهد السياسي الجزائري ليكاد يجزم أن العيب والمشكل ليس في هذا النظام الجائر فهو طبعه؛ بل في الشعب نفسه ونخبه الذي ارتضى لنفسه الذل والهوان وألف التعايش مع وحش ضار .. فلا هو آمن تمام الأمان ولا هو خائف لحد الفوران واختراق الحصن والأركان، فقد نسأل أنفسنا في لحظات الاعتراف مع الذات : ما هو نظامنا ومن هو؟ وهل تكفي ثورة لإسقاط هذا النظام؟ وهل هناك شعب في هذه البلاد سيقود الثورة إن اشتعل فتيلها؟ كلها أسئلة قد نطرحها أحيانا كما قد تطرح نفسها احايين كثيرة أخرى، وفي خضم هذا الغموض الذي يكتنف استراتيجياتنا في الانعتاق ينبثق السؤال الأكثر تحييرا للعالم قبلنا : هل من الممكن حقيقة الإنعتاق من هذا النظام؟
وأنا بهذا السؤال لا أستجدي إجابة الكسلاء المتوارين خلف أستار فيسبوك أو موقع أو أي وسيلة أخرى بل أتعمق في كنه الظاهرة السيستامية الجزائرية التي دجنت جل الأحزاب وقوضت أركان المستعصي منها وزورت بلا هوادة كل انتخابات بمعنى وبدون معنى، وشككت المواطن الجزائري في كل شيء حتى في شخصه، فمن كان بربكم ينتظر نتيجة للتشريعيات كما أقرها المجلس الدستوري الظالم؟ أقولها وبكل بساطة إن أقوى وأشرس المقاطعين للانتخابات وأقدمهم لم يكن ينتظرها كما آلت إليه حقيقة ..
ربما قد أجبت في مقال سابق عنونته بـ ' لماذا تجرأ النظام الجزائري؟ 'عن أسباب ودواعي الثقة الكبيرة التي كان يحملها النظام لتبرير فِعل ما فعل، ولن أبتعد كثيرا عن محيط ما كتبت في ذلك المقال بل سأقاربه بتقويض نظري على الأقل لنقاط القوة التي ارتكز عليها وبذلك نقترب من فهم الطريقة التي بها يمكن للشعب الجزائري الانعتاق من جور هذا النظام .
قد أحتمل تارة وأجزم تارة أخرى أن أربعة نقاط رئيسة هي الكفيلة بتقويض أركان هذا النظام وتتمثل في رأيي في :
إعلام معارض فاعل: فإن أكثر ما يريح النظام الجزائري هو فلاحه في إشغال الجزائريين بمتابعة كل ما هو شأن غير جزائري سواء رياضيا أو سياسيا أو اقتصاديا وإبقائه خارج السياق ؛ ولا بأس ببعض النقد على ما تبثه اليتيمة وأخواتها، لذلك فإن أهمية الاعلام الخاص عموما والمرئي خصوصا له من الأهمية ما لم يبق لنا فرصة إيضاحها قديما و حديثا، وهذه الأهمية أدركها جيدا هذا النظام فمنع طيلة هذه السنوات حرية الإعلام، ولكن ومع فتح المجال السمعي البصري وجب وجوبا إلزاميا لا انتخابيا استغلال هاته الوسيلة لفضح هذا النظام وتعريته وتبيان حقيقة ما تعيشه الساحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الجزائرية، وفضح الفساد والمفسدين المتاجرين بالجزئر لا بمدخراتها فقط مع اعتبار الاحترافية وتوظيف الخبرات معيارا أساسيا ورئيسا لاكتساح الساحة الإعلامية، وفتح مجالاتها على كل الحساسيات السياسية وعدم اقتصارها على حزب واحد أو توجه أوحد حتى تضمن الالتفاف الشعبي حولها.
توافقية معارضتية: وهذه النقطة فلح النظام في منعها أيما فلاح فشتت الأيديولوجية الواحدة إلى أيديولوجيات متناحرة وفرّق الأحزاب المؤمنة بنفس الفكر إلى حزيبات مقزّمة فاعلية وفعالية، فأصبحت معركة هاته الأحزاب جميعها ليست باتجاه الطرف الصحيح؛ بل توجهت معاركها السياسية وحروبها الإعلامية إلى تفتيت أركانها وتقزيم أدوارها ؛ وكان في كل هذا التيه طرف منتصر واحد وهو النظام وخاسرون كثر .
لذا فإن قدر هذه الأحزاب - التي لا ترى خيرا في استمرار هذه الطغمة المستحكمة غير المستنيرة - أن تتوحد على توجيه جهدها لضرب أركان هذا النظام المتهالك بعيدا عن النرجسيات المنغلقة أو التعصبات العمياء لفكر أو منهج او طريق، إن التوافق على أرضية مشتركة يتنازل فيها كل طرف عن جزء من أهدافه السلطوية ويتداعى إلى مصلحة هذا الوطن قبل كل شيء لكفيل بأن يوحد الجهود ويقوي العزيمة و يركز القوة على توجيه الضربات المتتالية لجذر هذا النظام المتساقط؛ كما سيأتي في النقطتين القادمتين ،وماهي إلا سنوات قلائل حتى يرى الكل نتائج هذا التوافق، يصل بعدها أيا كان إلى الحكم فلن يهم بعدها إن وصل هذا او ذاك ما دام المنتصر هو 'الجزائر'.
اعتزال النظام: فيجب التوقف عندها مطولا فقد يفهم كلامي أنني أدعو إلى ثورة تسفك فيها دماء الجزائريين وينخلط فيها الحابل بالنابل لنعود إلى نقطة الصفر ..لا .. لست أدعو إلى ذلك، بل أدعو إلى التفكر في حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام حين حدّث أصحابه عن بداية هلاك الأمة في حكامها، حيث يروي أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: (يهلك الناس 'هذا الحي' من قريش. فقالوا ما تأمرنا يا رسول الله؟ قال لو أن الناس اعتزلوهم) .رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما. ويشرح الدكتور الفيلسوف عدنان ابراهيم هذا الحديث فيقول 'لو أن الناس اعتزلوهم' تعني المقاومة السلبية أو العصيان المدني... وهذا الذي ندعو له في كلامنا بحيث يترك التعاون مع هذا النظام بدءا بالإضرابات وانتهاء بعدم دفع فواتير الكهرباء والماء والغاز وكل الإتاوات والضرائب المفروضة في كل المجالات وليفعل ما شاء ... ولن يطول ذلك فسيسقط النظام حتما لأنه لن يجد من يحكم، ولا اريد ان يفهم كلامي أنه نظري غير قابل للتطبيق فالرسول عليه السلام حاشاه أن يأمر بما لا يستطاع .
فضح المستور: وهي القاصمة ؛ ففضح المستور المسكوت عنه إعلاميا من طرف المثقفين والسياسيين وهو تورط النظام في كل مآسي العشرية الحمراء فلم أقرأ يوما في جريدة كلاما من هذا ولا سمعت سياسيا يناقشه ويصرح به، وقد كانت حججهم سابقا الوضع الأمني غير القابل لمثل هكذا تصريحات او نقاشات وما عادت اليوم تلك الظروف قائمة، ومنه فإن السكوت عن هذا الأمر يعد من قبيل كتم الشهادة وإن كانت صفحات الانترنت بشتى مواقعها تمتلئ بمثل ذلك ولكن تأثيرها ضعيف لأن قراءها قلة وهم انفسهم من نفس شاكلة الساكتين المطبقين عن هذا الكلام...فكفانا جبنا وتبريرا لما لا يبرر.. ولنهتك عرض هذا النظام ولنخلص شعبنا وأنفاسنا حتى من أبوية السلطة التي يتبناها ويعتقدها ويؤمن بها هذا المستبد حتى العبادة.
وختاما لكلامي أقول: بغير هكذا طرائق لا يمكن للعمل السياسي التقليدي أن يفلح في خلع هذا النظام لأن النظام السياسي الجزائري كالشمس من اقترب منها احترق ومن ابتعد عنها تجمد وكل التاريخ السياسي منذ الاستقلال إلى اليوم ونحن نشهد احتراقات وتجمدات لكل من تعامل مع هذا النظام فحتى حسن نية البعض لم تعد تجدي اليوم نفعا، فآخر ورقة توت سقطت عن هذا النظام مع نتائج التشريعيات الماضية فالطلاق مرتين فإمساك بمعروف او تسريح بإحسان؛ وبعدها لا يكون إلا الطلاق البائن بينونة كبرى والذي لا تستحل معه الرجعة إلا بعد ثبوت المحلل، والذي نريده شرعيا لا تايوانيا...والحديث قياس.

عــلي بوحامد :  أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قاصدي مرباح -ورقلة- الجزائر

0 التعليقات

إرسال تعليق