تعيش مصر العربية أجواء سياسية ملتهبة، سريعة التجدد، وشديدة الحرارة وعاصفة وصادمة تماما مثل حالة الجو الصيفي الملتهب الحار الناري العميق؛ ورغم أن هذا الجو الصيفي معروف مسبقا وكل الشهور السابقة بما فيها شهور الشتاء تؤدي اليه ورغم أننا نعرف موعد الصيف مقدما نظريا إلا أننا عندما نراه نفزع ونعلن شجبنا واستنكارنا وصدمتنا مستدلين على ذلك بسخونة الجو ـ وفي الصيف لابد وأن يكون الجو ساخنا ـ وبمباشر الشمس وصفاء السماء ـ وفي الصيف لابد أن تكون الشمس مباشرة والسماء صافية كسنة كونية تحدث غالبا بانتظام - وبكمية العرق النازلة منا وعدم قدرتنا على الحركة أو التصرف، وما يحدث معنا في قراءة 'المناخ الطبيعي' يحدث مثله تماما في قراءة الخريطة السياسية المصنوعة بأيدينا وهذا هو أحد أسباب بؤس العرب. 
منذ شهور ونحن نعرف أن هناك 'طعنا' في شرعية مجلس الشعب، ومنذ شهور ونحن ننتظر حكم المحكمة الدستورية والكثير منا توقع الحكم بحل المجلس استنادأ إلى أسباب قانونية تتمثل في عدم تكافؤ فرص المستقلين مع فرص المرشحين على 'القوائم الحزبية' واستحواذ الأحزاب بفرص أكبر، فهم نزلوا على القوائم وأيضا نزلوا على القوائم الفردية وهذه حجة بسيطة لا تحتاج إلى إرهاق الذهن في تدبرها أو تأملها لاستنتاج أن الأحزاب استحوذتْ على حقها وعلى حق سواها فإذا أضفنا إلى ذلك أن هناك سابقتين في مجلس الشعب تم حل المجلس فيهما لنفس السبب كان ذلك أدعى إلى أن تكون معرفة النتيجة سهلة وميسورة ولا تحتاج إلى تحليلات سياسية، فإذا عرفنا أنه جرتْ تهديدات ومناوشات بين مجلس الشعب والحكومة والمجلس العسكري تدور رحاها منذ أكثر من شهرين حول رغبة مجلس الشعب في سحب الثقة من الحكومة وتقليص صلاحيات المجلس العسكري وإعلان الحكومة - تصريحا أو تلميحا - كما ذكر الكتاتني رئيس مجلس الشعب الباطل بطلانا كاملا أو الباطل ثلثه فقط ـ أن الجنزوري قال له: إن قرار حل مجلس الشعب في درج المحكمة لعرفنا أن حكاية حل مجلس الشعب ما هي إلا مسألة وقت فقط إذن فلماذا المفاجأة ؟أو لماذا الادعاء بأننا فوجئنا هل كنا نحلم بأن تطول هذه اللعبة قليلا ... ؟ 
لقد عقد الإخوان مع المجلس العسكري 'عقد زواج سري' ولا يصح أن نقول إنه 'زواج عرفي'، هو زواج سري وبدون شهود اللهم إلا إذا كانت أمريكا قد شهدتْ على مثل هذا العقد المخالف للتقاليد والقيم والمبادىء ـ هناك أكثر من زيارة لأمريكيين اقتصر اللقاء فيهما على المشير والمرشد كل منهما منفردا ـ لقد تم عزل الشباب الذين صنعوا الثورة وهم أولياء العروس الحقيقيون والأولى بها وأصحاب العرس الحقيقي.
شواهد وقرائن كثيرة كانتْ تدل على هذا العقد السري الجائر والمسموم منها: دعاية الإخوان العظيمة لصالح الاستفتاء الدستوري الذي صنعه المجلس العسكري وصولا إلى موافقة الشعب على تسع مواد هي المواد المطروحة في الاستفتاء ثم صمت الإخوان والشعب على الإعلان الدستوري الذي تضمن 62 مادة وفي حالة الزواج السري يكون الصمت علامة على الرضا خاصة إذا كان أحد الأطراف 'بكرا' لم يسبق له لعب السياسة بشكل رسمي وعلني وفي ضوء النهار وعلى رؤوس الأشهاد. 
ومن الشواهد والقرائن ـ للأسف لا يوجد شهود على هذا العقد السري نعرفهم - صمْتُ الإخوان ورضاهم على وعن مجزرة شارع محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو بل وهجومهم على شباب الثورة المصرية الأحرار واتهامهم بالباطل بتهم هي أكثر التصاقا بأطراف العقد السري. ومن قرائن وشواهد العقد السري: تنظيم الإخوان لسلاسل بشرية أمام مجلس الشعب لردع وصد وضرب الثوار الذين هبوا وثاروا ليطالبوا بتسليم السلطة لمجلس الشعب إلأ أن مجلس الشعب دهس الشعب ورفض السلطة التي يسعى لها بشتى السبل ما عدا السبيل الثوري الحر.
إن يوم الخميس 14/6/2012م كان يوما معروفا لنا جميعا وكنا نترقبه ونتوقع ما جاء فيه من أحكام أولا: عدم دستورية قانون العزل السياسي هذا القانون الذي كان يجب أن يصدر في أيام البرلمان الأولى كما طالب بذلك شباب الثورة ولكن مقتضيات العقد السري بين الإخوان والعسكر حالتْ دون ذلك وثانيا: بطلان انتخابات مجلس الشعب على المقاعد الفردية وعددها 166 مقعدا وقد يكون من بينها مقعد رئيس المجلس نفسه سعد الكتاتني وما يترتب على ذلك من بطلان لكامل المجلس كما هو رأي فقهاء القانون؛ طبعا الإخوان يحاولون تخفيف الحكم ويدعون أن الحكم يقتصر على 166 عضو فقط وأن باقي المجلس صحيح وسيستمر انعقاده وهذا يشبه أحلام اليقظة.
لقد سقطتْ ورقة هامة من يد الإخوان - هم أنفسهم ساهموا في سقوطها من خلال ورقة سرية لا يعرف الشعب عنها شيئا - وإنما يرى آثارها المدمرة للثورة ومن خلال ممارسات وأفعال وأقوال ليستْ جيدة إن لم تكن غاية في السوء.
لقد كان الإخوان يدَّعون أنهم 'سيمتنون' على المجلس العسكري ويوفرون له الخروج الآمن وأنهم سيكافئونه على 'خدماته' بخروجه دون محاكمة فهل كانوا يتصورون أن هذا أمر يبهج المجلس العسكري وهو الذي يملك مرشحا من ' صلبه ' سيعلي قدره ويزيده في مكانته ويضيف إلى 'أرصدته' بفخر حقيقي دون امتنان ولا يحزنون ؟
ولم يسألْ السادة الإخوان أنفسهم : ما الذي يجبرالمجلس العسكري على انتظار 'وعد' من الإخوان بالإفراج عنهم وإطلاق سراحهم دون محاكمة وعدم إلحاقهم بربيب نعمتهم المخلوع مبارك في سجن طرة والكل يعرف أن الإخوان يمكن أن يخلفوا وعدهم كما أخلفوا من قبل وعودا كثيرة، إن ما يحدث على الساحة المصرية من انتهاك للشعب المصري وإهانة لدولة عريقة هي مصرأم الدنيا وتدنيس لطهر وطهارة الثورة المصرية النموذج لهو نتيجة طبيعية جدا لكل المقدمات التي صنعتها القوى السياسية المتناحرة في مصر: الإخوان بحرصهم على صناعة حزب وطني إسلامي، السلفيون وحالة الهوس الديني وشبهات العمالة لجهاز أمن الدولة المنحل كذبا وزورا، الثوريون والغرق في التنظير الثوري والمثالية الحالمة والتشتت وعدم الاتفاق على أرض الواقع، وتشبث المجلس العسكري بمفاتيح القرار أو الكرار، هناك مثل مصري يقول 'لقد أعطوا اللص مفاتيح الكرار' أو القرار فإذا كان اللص مالكا للمفاتيح فماذا يمكن أن يفعل بها؟ هل يسلم المفاتيح لأقرب مسجد محتل أو لأقرب جامعة مغتصبة أو لأقرب مركز شرطة فرَّ مَنْ فيه وطلبوا حق اللجوء من مالك المفاتيح نفسه؟ أو لأقرب مواطن لا يعرف شيئا عن المفاتيح؟ وإذا فتح الكرار على البحري بمقتضى المفاتيح التي يملكها فهل يصح أن أن نحاسبه باعتباره لصا؟ لقد عقد الإخوان عقد زواج سري مع المجلس العسكري ولكن الحكم بالطلاق كان علنيا ومدويا ومن خلال المحكمة الدستورية العليا.

محمود الأزهري :  كاتب مصري 

0 التعليقات

إرسال تعليق